الإثراء بلا سبب (العمل المشروع)
الإثراء بلا سبب هو أن يثري شخص على حساب شخص آخر من دون سبب مشروع (شخص يدفع لآخر مبلغا من النقود على أساس أنه يدفع دينا عليه، والواقع أنه غير مدين، البناء بمواد مملوكة للغير، إضرار رجال إطفاء بممتلكات شخص سمح لهم بالمرور بمنزله لإطفاء حريق في منزل مجاور). وهو يقوم على قاعدة أن من تنتقل إليه قيمة مالية من آخر دون سبب مشروع، عليه أن يردها تطبيقا لروح الإنصاف والعدالة (التعويض).
وتختلف: قاعدة الإثراء بلا سبب (واقعة مادية) عن العقد (تصرف قانوني)، كما تختلف عن العمل غير المشروع باعتبار أنها عمل مشروع.
شروط الإثراء بلا سبب
يتحقق الإثراء بلا سبب، ويعطي الحق في طلب التعويض بتوافر 4 شروط:
ـ إثراء المدعى عليه
الإثراء هو حصول الشخص على منفعة مادية أو أدبية لها قيمة مالية، ويحصل بصفة إيجابية أو سلبية، مباشرة أو غير مباشرة، ويكون ماديا أو معنويا.
ـ افتقار المدعي
الافتقار هو خسارة تصيب الشخص، ويتحقق بخروج شيء من الذمة المالية (نقص أمواله، التزامه بدين أو أي تكليف عيني) أو بفوات كسب مشروع (فوات منفعة عليه تقدر بمال، أو عدم قبضه لمقابل خدمة أداها للغير). ويحصل بصفة إيجابية أو سلبية، مباشرة أو غير مباشرة، ويكون ماديا أو معنويا.
ـ وجود علاقة السببية بين الإثراء والافتقار
يجب أن يكون افتقار المدعي هو السبب الذي أدى إلى إثراء المدعى عليه.
وعلاقة السببية هذه قد تكون مباشرة (الافتقار والإثراء ناشئين عن واقعة واحدة) أو غير مباشرة (افتقار المدعي وإثراء المدعى عليه ناشئين عن واقعتين متتابعتين).
ومسألة قيام علاقة السببية بين الافتقار والإثراء هي من مسائل الواقع التي يعود تقديرها إلى قاضي الموضوع (واقعة مادية).
ـ عدم وجود سبب قانوني يبرر الإثراء
السبب المقصود هنا السبب المنشئ أي المصدر القانوني الذي يخول المثري الحق في الإبقاء على الإثراء، وهو إما أن يكون تصرفا قانونيا (العقد)، أو حكما من أحكام القانون (إنفاق الزوج على زوجته يوجبه القانون). وتترتب على هذا الشرط عدة نتائج من أهمها:
1 ـ لا يسوغ للمفتقر أن يطالب المثرى بتعويضه عما افتقر به إذا كان ما أداه من مال أو ماقام به من عمل قد تم على سبيل التبرع برضا المفتقر واختياره.
2 ـ لا يسوغ للمفتقر أن يدعي الافتقار إذا كان الإثراء يحميه القانون، وذلك إما بمقتضى نص خاص وصريح، وإما تطبيقا لقاعدة قانونية عامة (أمثلة ص 216).
أنواع الّإثراء بلا سبب
إيجابي وسلبي
إيجابي:
عندما يضيف قيمة مالية إلى ذمة المثرى، ويتحقق ذلك إما بكسب الشخص لحق عيني أو شخصي كأن يحصل على شيء معين أو على مبلغ مالي، وإما بالزيادة في قيمة الحق الذي كان للشخص (البناء فوق القطعة الأرضية بمواد مملوكة للغير).
سلبي:
عندما يؤدي إلى الانقاص من الجانب السلبي للذمة المالية للشخص، ويتحقق ذلك إما عن طريق تجنيب شخص لآخر القيام بمصاريف واجبة عليه (المكتري يقوم بترميمات واجبة على المكري، شخص يوفي بدين شخص آخر)، كما تحقق عن طريق تجنيب الشخص لخسارة محققة (يتلف رجال المطافئ متاعا للشخص عندما يسمح لهم بالمرور عبر سكناه لإطفاء حريق في منزل مجاور، يلقي ربان السفينة ببعض ما تحمله حتى ينقذها من غرق محقق).
مباشر وغير مباشر
مباشر:
عندما يقع بفعل المفتقر أو بفعل المثرى مباشرة، ومن دون تدخل سبب أجنبي (يدفع دين غيره، ينتفع بمنزل آخر دون عقد أو اتفاق).
غير مباشر:
إذا حدث بفعل الغير (يطفئ حريق يف ملك شخص ويتلف ممتلكات شخص آخر).
مادي ومعنوي
مادي:
يتمثل في كسب مادي يحصل عليه المثرى.
معنوي:
إذا كان من الممكن تقديره ماليا (طبيب يسعف مريض، شخص يربي طفل غيره، محامي يحصل على براءة متهم).
آثار الإثراء بلا سبب
إذا توافرت شروط الإثراء بلا سبب نشأ التزام على عاتق المثري برد ما أثرى به من دون سبب لمن أثرى على حسابه (ف 66 ق.ل.ع) وفق القواعد التالية:
بالإضافة إلى رد الشيء أو قيمته فإن المثري سيء النية يلتزم برد الثمار والزيادات والمنافع التي جناها، وتلك التي كان من واجبه أن يجنيها لو أحسن الإدارة، وذلك من يوم حصول الوفاء له، أو من يوم تسلمه الشيء من غير حق. فإذا كان المثرى حسن النية فإنه لا يسأل إلا في حدود ما عاد عليه من نفع ومن تاريخ المطالبة فقط.
تطبيقات الإثراء بلا سبب
لقاعدة الإثراء بلا سبب تطبيقات كثيرة أهمها: الفضالة، دفع غير المستحق.
حالة الفضالة (ف 943…958 ق.ل.ع)
هي أن يتولى شخص عن قصد القيام بشأن عاجل لحساب شخص آخر، دون أن يكون ملزما بذلك.
دفع غير المستحق (ف 68 … 74 ق.ل.ع)
دفع غير المستحق هو أن يدفع شخص لآخر أشياء أو مبالغ حالة دون أن يكون مدينا بها، نتيجة لغلط مما يترتب عنه حق الموفي في استرداد ما دفعه، والتزام الموفى له برد ما استوفاه.
شروط دفع غير المستحق
ـ الدفع على سبيل الوفاء: ويعتبر بمثابة وفاء: الوفاء مقابل تسليم الحجة التي تثبت: وجود التزام (الرهن الرسمي، الرهن الحيازي، الكفالة، الاعتراف بدين…)أو التحلل منه (وصل أو شهادة الدفع).. والوفاء واقعة مختلطة تجمع بين:
+ التنفيذ المادي للالتزام: تسليم (النقود، أشياء مثلية، عقارات)، عمل (بناء)، امتناع عن عمل (الامتناع عن منافسة). (واقعة مادية على الموفي إثباتها بكل طرق الإثبات).
+ الاتفاق على قضاء الدين (تصرف قانوني).
ـ الوفاء غير مستحق: أي باطلا، أو قابلا للإبطال. والوفاء تصرف قانوني، لذلك يشترط فيه لكي يكون صحيحا شروط الانعقاد والصحة التي تشترط في سائر التصرفات القانونية وفقا للقواعد العامة (الرضا، المحل، السبب). فإذا انتفى أحد هذه الشروط كان الوفاء باطلا أو قابلا للإبطال، وصار غير مستحق يحق استرداده.
ـــ يكون الوفاء باطلا (في الغالب) لانعدام سببه المتمثل في الدين الذي قصد الموفي الوفاء به: غير موجود بالمرة/ وجد و تم وفاؤه من قبل/ وجد حقيقة، لكن:
+ وجد معلقا على شرط واقف لم يتحقق، أو شرط فاسخ تحقق بعد الوفاء.
+ تم الوفاء بمبلغ أكثر مما هو مستحق.
+ تم الوفاء لغير الدائن الحقيقي، أو من غير المدين الحقيقي.
ـــ يكون الوفاء باطلا أو قابلا للإبطال ثم يتقرر إبطاله إذا انعدم رضا الموفي كأن يقع الأداء من صبي غير مميز، أو من ناقص أهلية، أو من شاب إرادته عيب من عيوب الإرادة.
ـ الوفاء حصل نتيجة غلط: الموفي ظن أن يدفع دينا مستحقا عليه، نتيجة غلط في الواقع (الجهل بوفائه من قبل)، أو في القانون (في سعر الفائدة). وهو غلط مفترض لا يتطلب الإثبات من طرفه، وللموفى له أن يثبت العكس.
الاستثناءات
ــــ عدم إمكانية الاسترداد رغم توفر شروط دفع غير المستحق:
ـ إذا كان الدائن الموفى له قد أتلف، أو تجرد من ضمانات دينه (كأن يرد الشيء المرهون لديه رهنا حيازيا إلى مالكه) أو ترك دعواه ضد المدين الحقيقي تتقادم، وذلك نتيجة للوفاء الذي حصل له، وعن حسن نية (أي أنه يجهل كون الموفي وقع في غلط بأن يعتقد مثلا بأن الموفي ينوب عن المدين الأصلي في الوفاء). وفي هذه الحالة لا يكون لمن دفع إلا الرجوع على المدين الحقيقي وفقا للقواعد العامة في الإثراء بلا سبب (ف 68 ق.ل.ع).
ـ الدفع لسبب مستقل لم يتحقق، إذا كان الدافع يعلم عند الدفع باستحالة تحققه، أو حال دون تحققه. (المدين حال دون تحقيق الشرط الواقف للالتزام). (ف 71 ق.ل.ع).
ـ الدفع تنفيذا لدين سقط بالتقادم أو لالتزام معنوي، إذا كان الدافع متمتعا بأهلية التصرف على سبيل التبرع (ف 73 ق.ل.ع).
ــــ إمكانية الاسترداد رغم عدم وجود الغلط: الوفاء تنفيذا لالتزام باطل لسبب مخالف للقانون والنظام العام والأخلاق الحميدة (ف 72 ق.ل.ع) (القواعد العامة للبطلان).
آثار دفع غير المستحق
إذا توافرت الشروط السابقة التزم من استوفى غير المستحق برد ما استوفاه، ويخضع الالتزام بالرد لنفس القواعد الموضوعية للإثراء بلا سبب بوجه عام.
المسؤولية التقصيرية (العمل غير المشروع)
العمل غير المشروع هو العمل الذي يقوم به شخص عن قصد (جريمة) أو عن غير قصد (شبه جريمة)، فيسبب ضررا للغير يترتب عليه التزامه بإصلاحه عن طريق التعويض. كما قد يلتزم الشخص بإصلاح ضرر تسبب فيه غيره أو شيء أو حيوان أو نتيجة لتهدم بناء. كل هذه الحالات تسمى المسؤولية التقصيرية.
المسؤولية التقصيرية هي الالتزام الناشئ عن العمل غير المشروع، أما الملتزم بإصلاح الضرر فهو الذي يعرف بإسم المسؤول. وتقوم في ق.ل.ع على فكرة الخطأ.
المسؤولية التقصيرية (العمل غير المشروع) (ف 77…106 ق.ل.ع).
أنواع المسؤولية التقصيرية
(الدرس)
أساس المسؤولية التقصيرية
الخطأ الواجب الإثبات
المسؤولية عن العمل الشخصي تقوم على خطأ واجب الإثبات (ف77 ـ 78 ق.ل.ع)، أي على المطالب بالتعويض (المضرور أو ذوو حقوقه) أن يثبته في جانب المسؤول بجميع طرق الإثبات. وإذا ادعى المتسبب في الضرر بأنه كان فاقدا للإدراك وقت حدوث الخطأ منه فعليه أن يثبت ذلك. وللقاضي سلطة تقدير قيمة الوسائل الإثباتية المستعملة.
الخطأ المفترض (النظرية الشخصية)
المسؤولية عن الشيء (ف 88) والحيوان (ف 86) وتهدم البناء (ف 89) تقوم على خطأ مفترض في جانب المدعى عليه، وبالتالي:
ـ لا تتطلب من المتضرر إثبات الخطأ (يثبت فقط: الضرر + علاقة السببية)، وإنما تتطلب شروطا إذا أثبتها، تحققت مسؤولية المدعى عليه.
ـ لا يستطيع المدعى عليه دفعها عنه بنفيه للخطأ (لا تقبل إثبات العكس مبدئيا)، ولا يمكنه التحلل منها إلا بنفي علاقة السببية بين الضرر والحادث أو الفعل بإثباته:
أن الضرر ناتج عن سبب أجنبي + أنه فعل ما كان ضروريا لمنع الضرر، وأنه استحال عليه منع الفعل أو الحادث رغم اتخاذه الاحتياطات اللازمة.
تحمل التبعة أو الضمان (النظرية الموضوعية)
نظرية تحمل التبعة: الشخص يتحمل تبعة الضرر الناتج عن الفعل أو الحادث المترتب عن عمل أو شيء ينتفع به.
نظرية الضمان: الشخص يضمن من يخضع لتوجيهه ورقابته، وما يخضع لصيانته ورعايته، ما يجعل افتراض الخطأ غير قابل لإثبات العكس، وبالتالي، لا يمكن للمدعى عليه دفع المسؤولية عنه بنفيه، ولا يمكن ذلك إلا بنفي علاقة السببية بين الضرر والحادث أو الفعل بإثباته أن: الضرر ناتج عن سبب أجنبي + لم يرتكب خطأ في المراقبة/ الرعاية.
* سبب أجنبي (القوة القاهرة، أو الحادث الفجائي، أو خطأ المتضرر).
أركان المسؤولية (الخطأ والضرر وعلاقة السببية)
تقوم المسؤولية المدنية بتوافر 3 أركان (الخطأ والضرر وعلاقة السببية).
بينما الخطأ يكفي وحده لقيام المسؤولية الأدبية والمسؤولية الجنائية.
(الدرس)
الإتفاق على تعديل أحكام المسؤولية التقصيرية
الاتفاق على تعديل أحكام المسؤولية التقصيرية
المسؤولية التقصيرية من النظام العام، وبالتالي، لا يمكن الاتفاق على خلاف قواعدها.
الاتفاق على تعديل أحكام المسؤولية العقدية
المسؤولية العقدية تقوم على أساس مبدأ الإرادة، وبالتالي يجوز الاتفاق على تعديل أحكام المسؤولية العقدية مبدئيا في بعض الحالات.
(درس المسؤولية العقدية)
القانون
هو مصدر غير مباشر لكل الالتزامات (مصادر الالتزام*)، باعتبار أنه الذي أنشأها ونظمها وحدد أحكامها.
لكنه مصدر مباشر لبعض الالتزامات (هي المقصودة)، حيث تحدد قواعدها وآثارها مباشرة بنص القانون المنشئ لها، وبصرف النظر عن الإرادة، فإذا أهمل النص التعرض لتلك الأحكام فإنه تطبق بشأنها القواعد العامة في نظرية الالتزام.
وبالتالي، فإن هذه الالتزامات لا تتأثر بنقص الأهلية ولا تثور بشأنها عيوب الإرادة، ولا تثور بشأنها مشاكل المحل (يحدده القانون)، والسبب (يرتبط بالإرادة).
هذه الالتزامات لها تطبيقات في مختلف فروع القانون منها (الجوار، الحائط المشترك في ق.م، النفقة، الزوجين إزاء بعضهما، بين الأبناء والآباء في ق.ح.ش، دفع الضرائب في ق.م، تقديم الأوراق المنتجة في الدعوى التي تكون تحت يد أحد الطرفين في ق.م.م، التاجر بمسك الدفاتر التجارية وتقديمها إلى المحكمة للإطلاع عليها في ق.ت …).